الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وبخار الماء عادة لايكاد يري إلا إذا تعرض لعمليات التكثف علي هيئة قطيرات دقيقة من الماء تظل عالقة بأجزاء من الغلاق الغازي للأرض علي هيئة الندي أو الضباب بالقرب من سطح الأرص، وعلي هيئة السحب المختلفة في نطاق التغيرات المناخية المحيطة بالأرض، وقد تصل تلك السحب إلي الأجزاء السفلي من نطاق التطبق الذي يعلوه.وقد تتحول قطرات الماء في هذه المستويات العليا إلي كل من البرد والثلج، أو تنمو إلي أحجام تمكنها من النزول إلي الأرض مطرا حسب مشيئة الله وتقديره.وعند نزول المطر إلي الأرض قد يتدفق فوق سطحها علي هيئة السيول الجارفة التي قد تؤدي إلي دمار شامل في المناطق الصحراوية، وإلي فيضانات مغرقة بالأنهار والجداول.كذلك يتسلل قدر من ماء المطر إلي التربة، أو يصل إلي طبقات صخرية عالية المسامية والنفاذية فيتحرك رأسيا بالجاذبية الأرضية إلي أسفل حتي يصل إلي مخزون الماء تحت سطح الأرض فيعمل علي تجديد عذوبته، وتعويض مايفيض أو يضخ منه.وهذه الدورة المائية المعجزة يتم بواسطتها تطهير الماء، وتلطيف جو الأرض، وتوفير نسبة معينة من الرطوبة، في كل من غلافها الغازي وتربتها فتسمح للكائنات الحية بما تحتاجه منها.وبواسطة هذه الدورة المائية تتم تسوية سطح الأرض، وشق الفجاج والسبل فيه، ويتم تفتيت الصخور، وتكوين كل من التربة والصخور الرسوبية، وخزن قدر من ماء المطر فيها وفي غيرها من صخور قشرة الأرض، وتركيز عدد من الخامات الاقتصادية.ماء السماء ماء طهور إن دورة الماء حول الأرض لها فوائد كثيرة من أبرزها تطهير هذا الماء من عوالقه وشوائبه المختلفة، فحينما ينزل ماء المطر علي الأرض ويجري علي سطحها فانه يحمل معه من نفاياتها كما كبيرا إلي أحواض البحار والمحيطات في عملية تنظيف وتطهير مستمرة لسطح الأرض، وغسل لأدرانها المختلفة، والماء في جريانه علي سطح الأرض يذيب كل مايمكن اذابته من مكوناتها من مختلف العناصر والمركبات، كما يحمل ملايين الاطنان من العوالق غير المذابة والتي تترسب علي طول مجاري الانهار والأودية ودالاتها وفوق قيعان البحار والمحيطات والبحيرات وغيرها من التجمعات المائية، وفي هذه الأوساط المائية يحيا ويموت بلايين الكائنات الحية ولذلك يتعفن الماء غير الجاري في التجمعات المائية المحدودة بسرعة كبيرة وبدرجات أقل في البحار الواسعة والمحيطات، ويزيد من تلوث هذه الأوساط المائية مايدفع إليها من مخلفات المصانع والمنازل.وحينما تبخر أشعة الشمس هذا الماء فإنه يتطهر مما فيه من الملوثات، ويصعد إلي الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي علي هيئة بخار ماء نقي طاهر من كل ماكان فيه من أدران وأوساخ وأملاح.وهذه هي عملية التطهير الرئيسية لماء الأرض، ولذلك فان أنقي صورة للماء الطبيعي هي ماء المطر، علي الرغم من أنه عند نزوله من السماء قد يذيب نسبة ضئيلة من مكونات الغلاف الغازي للأرض كما قد يحمل معه نسبة لاتكاد تدرك من ذرات بعض الأملاح اللازمة لصحة الإنسان وغيره من الكائنات الحية، وذلك لأن الماء الصافي تماما قد يكون ضارا بجسم الانسان، ولايفسد ماء السماء إلا الملوثات التي قد يطلقها الإنسان، وذلك من مثل أكاسيد الكبريت التي تسبب نزول مايسمي بالأمطار الحمضية أو إطلاق بعض الغبار المشع كالذي ينتج من التجارب النووية أو من التسرب من المنشئات القائمة علي مثل هذا النشاط كالمفاعلات النووية من مثل ماحدث في كل من مفاعل تشرنوبل النووي في الاتحاد السوفيتي السابق ابريل 1986م والذي أدي إلي سقوط أمطار مليئة بالاشعاع عبر كل من أوروبا والمشرق العربي وأثر علي كل من الإنسان والحيوان والنبات في المنطقة، ومفاعل جزيرة الأميال الثلاثة Three MilesIsland ومفاعلات شمال اسكتلندا قبل وبعد ذلك التاريخ.والرسوبيات الملحية التي تقدر بملايين الأطنان بين مختلف التتابعات الصخرية المكونة لقشرة الأرض هي من بقايا عملية تطهير ماء الأرض بتبخيره ثم تكثيفه في الغلاف الغازي للأرض بطريقة مستمرة، ونسب الملوحة المتباينة في كل مياه الأرض المالحة والمتزايدة بمرور الزمن هي من نواتج عملية التبخير تلك وهي مستمرة مابقيت الأرض حتي لا يفسد ماؤها بتراكم الأملاح والنفايات وافرازات الكائنات الحية المختلفة وتكدس بقاياها بعد موتها، وتحلل تلك البقايا وتعفنها. وعلي ذلك فالمصدر الرئيسي للماء النقي علي سطح الأرض هو ماء المطر.وحتي الماء المخزون تحت سطح الأرض فان ملوحته تزداد باستمرار مع الزمن لإذابته من أملاح الصخور المختزن فيها أو لتبخره، وتركيزنسبة مابه من أملاح مذابة، ولاتتجدد عذوبة هذا الماء ونسبة الأوكسجين فيه إلا بما يصل إليه من ماء المطر.من هذا الاستعراض يتضح بجلاء أن القرآن الكريم قد وصف في عدد من آياته حقيقة اخراج كل ماء الأرض- علي كثرته- من داخل الأرض، وهي حقيقة لم يدركها الانسان إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين، كما وصف دورة الماء حول الأرض بدقة علمية فائقة وأثبت أن مختلف صور الماء علي سطح الأرض ناتج من هذه الدورة المائية التي يطهر بها ربنا تبارك وتعالى هذا السائل المهم والذي يعتبر ضرورة من ضرورات الحياة بطريقة مستمرة عن طريق تبخيره إلي الغلاف الغازي المحيط بالأرض ثم تكثيفه منه وانزاله ماء طهورا بتقدير من الله تعالى وحسب مشيئته وارادته.وهذه حقائق لم تصل إلي علم الانسان إلا بعد نزول القرآن الكريم بأكثر من عشرة قرون علي الأقل، ولم تثبت علميا إلا في خلال القرون الثلاثة الماضية، وحتي وصولها في هذا التاريخ إلي علم الانسان يعتقد أن مصدره كان القرآن الكريم، وأحاديث خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم التي نقلت إلي الحضارة الغربية عبر عمليات الترجمة من التراث الإسلامي في كل من بلاد الأندلس، وصقلية، وإيطاليا، وبلاد الشام في أثناء الحروب الصليبية.وفي ذلك من الاثباتات المادية القاطعة بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق وأن سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم كان موصولا بالوحي، ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض، علي الرغم من كفر الكافرين، ومحاجة المعاندين، وادعاءات المبطلين، فالحمدلله الذي انزل القرآن {أنزله بعلمه}، وتعهد بحفظه فحفظه بنصه ومعناه ومعجزاته، وبلغة وحيه في صفائه الرباني واشراقاته النورانية التي لاينكرها إلا جاحد، وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين والحمدلله رب العالمين أولا وآخرا وقبل وبعد كل شيء. اهـ.
|